الأعشى وداليته وحمزة والشرف
فصل
وذكر ابن هشام حديث الأعشى وقصيدته إلى آخرها ، فلما كان قريبا من مكة لقيه بعض المشركين فقال إلى أين يا أبا بصير ؟ الحديث وذكر تحريمه الخمر وتحريمه الزنى ،
وقول الأعشى : أما الخمر ففي الناس منها علالات وقال غير ابن هشام : كان القائل للأعشى هذه المقالة أبو جهل . قالها في دار عتبة بن ربيعة ، وكان نازلا عنده قال المؤلف وهذه غفلة من ابن هشام ، ومن قال بقوله فإن الناس مجمعون على أن الخمر لم ينزل تحريمها إلا بالمدينة بعد أن مضت بدر وأحد ، وحرمت في سورة المائدة وهي من آخر ما نزل وفي الصحيحين من ذلك قصة حمزة حين شربها وغنته القينتان ألا يا حمز للشرف النواء فبقر خواصر الشارفين واجتنب أسنمتها . وقوله للنبي عليه السلام هل أنتم إلا عبيد لآبائي ، وهو ثمل . الحديث بطوله .
فإن صح خبر الأعشى ، وما ذكر له في الخمر فلم يكن هذا بمكة ، وإنما كان بالمدينة ، ويكون القائل له أما علمت أنه يحرم الخمر من المنافقين أو من اليهود ، فالله أعلم .
وفي القصيدة ما يدل على هذا قوله فإن لها في أهل يثرب موعدا ، وقد ألفيت للقالي رواية عن أبي حاتم عن أبي عبيدة قال لقي الأعشى عامر بن الطفيل في بلاد قيس ، وهو مقبل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر له أنه يحرم الخمر فرجع فهذا أولى بالصواب
وقول الأعشى : أتروى منها هذا العام ثم أعود فأسلم لا يخرجه عن الكفر بإجماع قال الإسفراييني في عقيدته إذا قال المؤمن سأكفر غدا أو بعد غد ، فهو كافر لحينه بإجماع وإذا قال الكافر سأومن غدا ، أو بعد فهو على كفره لا يخرجه عن حكم الكفر إلا إيمانه إذا آمن ولا خلاف في هذا والله المستعان . وقوله
ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا
لم ينصب ليلة على الظرف لأن ذلك يفسد معنى البيت ولكن أراد المصدر فحذفه والمعنى : اغتماض ليلة أرمد فحذف المضاف إلى الليلة وأقامها مقامه فصار إعرابها كإعرابه وقد روي هذا البيت ليلك بالكاف ومعناه غمض أرمد وقيل بل أرمد على هذه الرواية من صفة الليل أي حال منه على المجاز كما تقول ليلك ساهر . وقوله
تناسيت قبل اليوم خلة مهددا
مهدد فغلل من المهد ولولا قيام الدليل على أن الميم أصلية لحكمنا بأنه مفعل لأن الكلمة الرباعية إذا كان أولها ميما أو همزة فحملها على الزيادة إلا أن يقوم دليل على أنها أصلية والدليل على هذه الكلمة ظهور التضعيف في الدال إذ لو كانت الميم زائدة لما ظهر التضعيف ولقلت فيه مهد كما تقول مرد ومكر ومفر في كل ما وزنه مفعل من المضاعف وإنما الدال في مهدد ضوعفت ليلحق ببناء جعفر . وقوله
إذا خلت حرباء الظهيرة أصيدا
والأصيد المائل العنق ولما كانت الحرباء تدور بوجهها مع الشمس كيفما دارت كانت في وسط السماء في أول الزوال كالأصيد وذلك أحر ما تكون الرمضاء . يصف ناقته بالنشاط وقوة المشي في ذلك الوقت . وقوله خنافا لينا . في العين : خنفت الناقة تخنف بيديها في السير إذا مالت بهما نشاطا ، وناقة خنوف قال الراجز
إن الشواء والنسيل والرغف
والقينة الحسناء والكأس الأنف
للظاعنين الخيل والخيل خلف
وقوله : لينا غير أحردا ، أي تفعل ذلك من غير حرد في يديها ، أي اعوجاج والنجير وصرخد بلدان وأهل النجير أول من ارتد في خلافة أبي بكر بعد أهل دبا وكان أهل دبا قد حاصرهم حذيفة بن أسيد وحاصر أهل النجير زياد بن لبيد بأمر أبي بكر ، حتى نزلوا على حكمه .
وأما صرخد فبلد طيب الأعناب وإليه تنسب الخمر الصرخدية . وفي الأمالي : ولذ كطعم الصرخدي تركته . وقوله
وآليت لا آوي لها من كلالة
ولا من وجى ، أي لا أرق لها ، يقال آويت للضعيف إية ومأوية إذا رقت له كبدك . وقوله
أغار لعمري في البلاد وأنجدا
المعروف في اللغة غار وأنجد وقد أنشدوا هذا البيت
لعمري غار في البلاد وأنجدا
. والغور : ما انخفض من الأرض والنجد ما ارتفع منها ، وإنما تركوا القياس في الغور ، ولم يأت على أفعل إلا قليلا ، وكان قياسه أن يكون مثل أنجد وأتهم لأنه من أم الغور ، فقد هبط ونزل فصار من باب غار الماء ونحو ذلك فإن أردت : أشرف على الغور ، قلت : أغار ولا يكون خارجا عن القياس . وقوله
وليس عطاء اليوم مانعه غدا
معناه على رفع العطاء ونصب مانع أي ليس العطاء الذي يعطيه اليوم مانعا له غدا من أن يعطيه فالهاء عائدة على الممدوح فلو كانت عائدة على العطاء لقال وليس عطاء اليوم مانعه هو بإبراز الضمير الفاعل لأن الصفة إذا جرت على غير من هي له برز الضمير المستتر بخلاف الفعل وذلك لسر بيناه في غير هذا الموضع لم يذكره الناس ولو نصب العطاء لجاز على إضمار الفعل المتروك إظهاره لأنه من باب اشتغال الفعل عن المفعول بضميره ويكون اسم ليس على هذا مضمرا فيها عائدا على النبي صلى الله عليه وسلم .
وقوله : فانكحن أو تأبدا . يريد أو ترهب لأن الراهب أبدا عزب فقيل له متأبدا اشتق من لفظ الأبد . وقوله فالله فاعبدا ، وقف على النون الخفيفة بالألف وكذلك فانكحن أو تأبدا ، ولذلك كتبت في الخط بألف لأن الوقف عليها بالألف وقد قيل في مثل هذا : إنه لم يرد النون الخفيفة وإنما خاطب الواحد بخطاب الاثنين وزعموا أنه معروف في كلام العرب ، وأنشدوا في ذلك
فإن تزجراني يا ابن عفان أزدجر
وإن تدعاني أحم عرضا ممنعا
وأنشدوا أيضا في هذا المعنى :
وقلت لصاحبي : لا تحبسانا
بنزع أصولها واجتث شيحا
ولا يمكن إرادة النون الخفيفة في هذين البيتين لأنها لا تكون ألفا ، إلا في الوقف وهذا الفعل قد اتصل به الضمير فلا يصح اعتقاد الوقف عليه دون الضمير وحكي أن الحجاج قال يا حرسي اضربا عنقه وقد يمكن فيه حمل الوصل على الوقف ويحتمل أن يريد اضرب أنت وصاحبك : وقد قيل في قوله سبحانه ألقيا في جهنم إن الخطاب لمالك وحده حملا على هذا الباب وقيل بل هو راجع إلى قوله تعالى : سائق وشهيد وفي القصيدة زيادة لم تقع في رواية ابن هشام وهي قوله في وصف الناقة
فأما إذا ما أدلجت فترى لها
رقيبين نجما لا يغيب وفرقدا
وقع هذا البيت بعد قوله لينا غير أحردا . وقوله في صفة النبي صلى الله عليه وسلم
أغار لعمري في البلاد وأنجدا
وبعده
به أنقذ الله الأنام من العمى
وما كان فيهم من يريع إلى هدى
فصل
وذكر ابن هشام حديث الأعشى وقصيدته إلى آخرها ، فلما كان قريبا من مكة لقيه بعض المشركين فقال إلى أين يا أبا بصير ؟ الحديث وذكر تحريمه الخمر وتحريمه الزنى ،
وقول الأعشى : أما الخمر ففي الناس منها علالات وقال غير ابن هشام : كان القائل للأعشى هذه المقالة أبو جهل . قالها في دار عتبة بن ربيعة ، وكان نازلا عنده قال المؤلف وهذه غفلة من ابن هشام ، ومن قال بقوله فإن الناس مجمعون على أن الخمر لم ينزل تحريمها إلا بالمدينة بعد أن مضت بدر وأحد ، وحرمت في سورة المائدة وهي من آخر ما نزل وفي الصحيحين من ذلك قصة حمزة حين شربها وغنته القينتان ألا يا حمز للشرف النواء فبقر خواصر الشارفين واجتنب أسنمتها . وقوله للنبي عليه السلام هل أنتم إلا عبيد لآبائي ، وهو ثمل . الحديث بطوله .
فإن صح خبر الأعشى ، وما ذكر له في الخمر فلم يكن هذا بمكة ، وإنما كان بالمدينة ، ويكون القائل له أما علمت أنه يحرم الخمر من المنافقين أو من اليهود ، فالله أعلم .
وفي القصيدة ما يدل على هذا قوله فإن لها في أهل يثرب موعدا ، وقد ألفيت للقالي رواية عن أبي حاتم عن أبي عبيدة قال لقي الأعشى عامر بن الطفيل في بلاد قيس ، وهو مقبل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكر له أنه يحرم الخمر فرجع فهذا أولى بالصواب
وقول الأعشى : أتروى منها هذا العام ثم أعود فأسلم لا يخرجه عن الكفر بإجماع قال الإسفراييني في عقيدته إذا قال المؤمن سأكفر غدا أو بعد غد ، فهو كافر لحينه بإجماع وإذا قال الكافر سأومن غدا ، أو بعد فهو على كفره لا يخرجه عن حكم الكفر إلا إيمانه إذا آمن ولا خلاف في هذا والله المستعان . وقوله
ألم تغتمض عيناك ليلة أرمدا
لم ينصب ليلة على الظرف لأن ذلك يفسد معنى البيت ولكن أراد المصدر فحذفه والمعنى : اغتماض ليلة أرمد فحذف المضاف إلى الليلة وأقامها مقامه فصار إعرابها كإعرابه وقد روي هذا البيت ليلك بالكاف ومعناه غمض أرمد وقيل بل أرمد على هذه الرواية من صفة الليل أي حال منه على المجاز كما تقول ليلك ساهر . وقوله
تناسيت قبل اليوم خلة مهددا
مهدد فغلل من المهد ولولا قيام الدليل على أن الميم أصلية لحكمنا بأنه مفعل لأن الكلمة الرباعية إذا كان أولها ميما أو همزة فحملها على الزيادة إلا أن يقوم دليل على أنها أصلية والدليل على هذه الكلمة ظهور التضعيف في الدال إذ لو كانت الميم زائدة لما ظهر التضعيف ولقلت فيه مهد كما تقول مرد ومكر ومفر في كل ما وزنه مفعل من المضاعف وإنما الدال في مهدد ضوعفت ليلحق ببناء جعفر . وقوله
إذا خلت حرباء الظهيرة أصيدا
والأصيد المائل العنق ولما كانت الحرباء تدور بوجهها مع الشمس كيفما دارت كانت في وسط السماء في أول الزوال كالأصيد وذلك أحر ما تكون الرمضاء . يصف ناقته بالنشاط وقوة المشي في ذلك الوقت . وقوله خنافا لينا . في العين : خنفت الناقة تخنف بيديها في السير إذا مالت بهما نشاطا ، وناقة خنوف قال الراجز
إن الشواء والنسيل والرغف
والقينة الحسناء والكأس الأنف
للظاعنين الخيل والخيل خلف
وقوله : لينا غير أحردا ، أي تفعل ذلك من غير حرد في يديها ، أي اعوجاج والنجير وصرخد بلدان وأهل النجير أول من ارتد في خلافة أبي بكر بعد أهل دبا وكان أهل دبا قد حاصرهم حذيفة بن أسيد وحاصر أهل النجير زياد بن لبيد بأمر أبي بكر ، حتى نزلوا على حكمه .
وأما صرخد فبلد طيب الأعناب وإليه تنسب الخمر الصرخدية . وفي الأمالي : ولذ كطعم الصرخدي تركته . وقوله
وآليت لا آوي لها من كلالة
ولا من وجى ، أي لا أرق لها ، يقال آويت للضعيف إية ومأوية إذا رقت له كبدك . وقوله
أغار لعمري في البلاد وأنجدا
المعروف في اللغة غار وأنجد وقد أنشدوا هذا البيت
لعمري غار في البلاد وأنجدا
. والغور : ما انخفض من الأرض والنجد ما ارتفع منها ، وإنما تركوا القياس في الغور ، ولم يأت على أفعل إلا قليلا ، وكان قياسه أن يكون مثل أنجد وأتهم لأنه من أم الغور ، فقد هبط ونزل فصار من باب غار الماء ونحو ذلك فإن أردت : أشرف على الغور ، قلت : أغار ولا يكون خارجا عن القياس . وقوله
وليس عطاء اليوم مانعه غدا
معناه على رفع العطاء ونصب مانع أي ليس العطاء الذي يعطيه اليوم مانعا له غدا من أن يعطيه فالهاء عائدة على الممدوح فلو كانت عائدة على العطاء لقال وليس عطاء اليوم مانعه هو بإبراز الضمير الفاعل لأن الصفة إذا جرت على غير من هي له برز الضمير المستتر بخلاف الفعل وذلك لسر بيناه في غير هذا الموضع لم يذكره الناس ولو نصب العطاء لجاز على إضمار الفعل المتروك إظهاره لأنه من باب اشتغال الفعل عن المفعول بضميره ويكون اسم ليس على هذا مضمرا فيها عائدا على النبي صلى الله عليه وسلم .
وقوله : فانكحن أو تأبدا . يريد أو ترهب لأن الراهب أبدا عزب فقيل له متأبدا اشتق من لفظ الأبد . وقوله فالله فاعبدا ، وقف على النون الخفيفة بالألف وكذلك فانكحن أو تأبدا ، ولذلك كتبت في الخط بألف لأن الوقف عليها بالألف وقد قيل في مثل هذا : إنه لم يرد النون الخفيفة وإنما خاطب الواحد بخطاب الاثنين وزعموا أنه معروف في كلام العرب ، وأنشدوا في ذلك
فإن تزجراني يا ابن عفان أزدجر
وإن تدعاني أحم عرضا ممنعا
وأنشدوا أيضا في هذا المعنى :
وقلت لصاحبي : لا تحبسانا
بنزع أصولها واجتث شيحا
ولا يمكن إرادة النون الخفيفة في هذين البيتين لأنها لا تكون ألفا ، إلا في الوقف وهذا الفعل قد اتصل به الضمير فلا يصح اعتقاد الوقف عليه دون الضمير وحكي أن الحجاج قال يا حرسي اضربا عنقه وقد يمكن فيه حمل الوصل على الوقف ويحتمل أن يريد اضرب أنت وصاحبك : وقد قيل في قوله سبحانه ألقيا في جهنم إن الخطاب لمالك وحده حملا على هذا الباب وقيل بل هو راجع إلى قوله تعالى : سائق وشهيد وفي القصيدة زيادة لم تقع في رواية ابن هشام وهي قوله في وصف الناقة
فأما إذا ما أدلجت فترى لها
رقيبين نجما لا يغيب وفرقدا
وقع هذا البيت بعد قوله لينا غير أحردا . وقوله في صفة النبي صلى الله عليه وسلم
أغار لعمري في البلاد وأنجدا
وبعده
به أنقذ الله الأنام من العمى
وما كان فيهم من يريع إلى هدى